عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

ومن ذلك الغبار : لما يبقى من التراب المثار ، جاء على مثال الدّخان والعباب ونحوهما من بقايا الأشياء. وغبر الغبار : ارتفع. قال بعضهم : يقال للماضي غابر تصوّرا لمضيّ الغبار عن الأرض. وقيل للباقي غابر تصورا بتخلّف الغبار وما كان على لونه. وعليه قوله تعالى : (عَلَيْها غَبَرَةٌ)(١) كما وصفها بالسواد في موضع آخر. ويكنى بذلك عن تغيّر الوجه للغمّ والحزن ؛ يقال : غبر يغبر غبرة ، واغبرّ واغبارّ. وفي الحديث : («بفنائه أعنز درّهنّ غبر») (٢) أي قليلة. وقيل ذلك للونها. والغبراء : الأرض ، لما عليها من الغبار. وفي الحديث : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذرّ» (٣). وأنشد لطرفة بن العبد (٤) : [من الطويل]

رأيت بني غبراء لا ينكرونني

ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد

وفي الحديث : «إيّاكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم» (٥) فسّرها أبو عبيد فقال : هي ضرب من الشراب تتّخذه الحبشة من الذّرة وهي السّكركة. وبعضهم يتوهّم أنها الحشيش المتعارف بين الحرافيش. وقال الراغب (٦) : الغبيراء نبت معروف وثمر معروف على هيئته ولونه. ويقولون : أخذته داهية الغبر (٧) ، وهو من قولهم : غبر الشيء ، أي وقع في الغبار ، كأنها تغبّر الإنسان. وقيل : هي من الغبر أي البقية. قال : والمعنى : داهية باقية لا تنقضي ، أو من غبرة اللون ؛ كقولهم : داهية زبّاء ، أو من غبرة اللبن فكأنها الداهية التي إذا انقضت بقي لها أثر. أو من قولهم : عرق غبر ، أي ينتقض مرة بعد أخرى. وقد غبر العرق يغبر.

غ ب ن :

قوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ)(٨) هو تفاعل من الغبن. وفي التفسير : أنّ الرجل

__________________

(١) ٤٠ / عبس : ٨٠.

(٢) بياض في الأصل ، ومذكورة في م. النهاية : ٣ / ٣٣٨.

(٣) النهاية : ٣ / ٣٣٧ ، وفيه خلاف.

(٤) الديوان : ٤٢.

(٥) وكذا رواية الهروي. وفي النهاية (٣ / ٣٣٨): «فإنها خمر العالم».

(٦) المفردات : ٣٥٧.

(٧) داهية الغبر : البلية لا تكاد تذهب (اللسان ـ غبر).

(٨) ٩ / التغابن : ٦٤.

١٨١

يكسب مالا عليه وزره ، فيعاقب به يوم القيامة. ثم يرى غيره قد ورث ذلك المال عنه ، فعمل فيه بالطاعة فيثاب عليه (١). فلا يرى أغبن منه حيث سعد غيره بما شقي هو به. وقال بعضهم : قيل ليوم القيامة يوم التّغابن لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٢) وبقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآية (٣) والمشار إليها بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً)(٤) فعلم أنّهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوه من ذلك جميعا. وقال بعضهم : معناه أنّ الأشياء تبدو لهم بخلاف ما قدّروها.

قلت : وهو في معنى قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(٥) وقال بعضهم : لأنّ فيه يغبن أهل الجنة أهل النار ، وضرب الله الشّرى والبيع لذلك مثلا ، كما قال تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٦) وقال تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٧). وأصل الغبن : الإخفاء ، ومنه : الغبن ـ بالفتح ـ للموضع الذي يختفي فيه الشيء. وأنشد (٨) : [من البسيط]

لم أر مثل الفتيان في غبن ال

أيام ينسون ما عواقبها

ومغابن الإنسان : ما تثنّى من أعضائه كالفخذين والمرافق. ومنه قولهم في المرأة : طيّبة المغابن. ثم جعل الغبن عبارة عن تحسينك صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من

__________________

(١) الجار والمجرور من : م.

(٢) ٢٠٧ / البقرة : ٢.

(٣) ١١١ / التوبة : ٩.

(٤) ٧٧ / آل عمران : ٣.

(٥) ٤٧ / الزمر : ٣٩.

(٦) ١٠ / الصف : ٦١.

(٧) ١٦ / البقرة : ٢.

(٨) من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ٢٤٥. والبيت لعدي بن زيد. والبيت ساقط من الأصل بياض فيه ، ومذكور في م ، وفي نسخه تشويش. وروايته كما في م :

لم أر مثل الفتيان في غبن الر

رأي ينسى عواقبها

بينما روايته عند الفراء : في غير. وبه لا شاهد فيه.

١٨٢

الإخفاء. إلا أنهم فرّقوا بين المعنيين في المال وفي الرأي فقالوا في المال والبيع : غبنه يغبنه غبنا ـ بالسكون ـ في غبن المصدر ، وبالفتح في ماضيه ، وبالكسر في مضارعه. وغبن فلان رأيه يغبنه غبنا بفتحها في المصدر ، وكسرها في الماضي ، وفتحها في المضارع.

وقيل : أصل الغبن : النقص ؛ ومنه : غبن فلان ثوبه إذا ثنى طرفه فقصّر بذلك من طوله ونقصه. وفي الحقيقة راجع إلى ما ذكرته من السّتر والخفاء ، لأن فيه ستر ذلك الطرف. والغبن ـ بالفتح ـ : ما يتساقط من أطراف الثوب الذي تقطّع.

فصل الغين والثاء

غ ث و :

قوله تعالى : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى)(١) الغثاء : ما احتمله السّيل من النّبات بعد يبسه فألقاه على الجوانب. والأحوى : الشديد الخضرة ، والمراد به هنا (٢) السواد. وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقال في الكلام تقديم وتأخير ، والأصل : أحوى غثاء. وقيل : أصله : فجعله غثاء بعد ما كان أحوى كما قرّره الهرويّ لصحة المعنى بدونه. وصف تعالى المرعى بأنّه بعد ما أخرجه من الأرض وتكامل نبته جعله حطاما تحتمله السيول الجارفة. وقيل : أحوى حال من المرعى (٣). أي أخرج المرعى شديد الخضرة فجعله غثاء. وقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً)(٤) أي أهلكناهم هلاكا صاروا به كالغثاء في عدم الاعتداد به وتحطّمه ، كقوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(٥) وهو أبلغ من هذا.

وقيل : أصل الغثاء : ما يلقيه الماء والقدر من زبدهما ، وما يتفرّق من النّبات فيحتمله السيل ، ويضرب به المثل في قلة الاعتداد به. ويقال : غثا الوادي يغثو غثوا ، أي جاء

__________________

(١) ٥ / الأعلى : ٨٧.

(٢) الكلمة من النسخة. م.

(٣) من الآية السابقة : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى).

(٤) ٤١ / المؤمنون : ٢٣.

(٥) ٥ / الفيل : ١٠٥.

١٨٣

بالغثاء. وغثا السيل المرتع ، أي جمع بعضه إلى (١) بعض وأذهب حلاوته فجاء قاصرا مرة ومتعديا مرة أخرى. وأمّا غثث نفسه تغثي ، أي خبثت فيجوز أن تكون من هذه المادة ، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها نحو رضي يرضى ، وهو من ذوات الواو بدليل الرّضوان. ويجوز أن يكون من ذات الياء.

فصل الغين والدال

غ د ر :

قوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً)(٢) أي لا يترك. والغدر : الترك ، ومنه قولهم : غدر فلان عهد فلان ، أي ترك حفظه ومراعاته. وقيل : الغدر أصله الإخلال بالشيء وتركه. ومنه : الغدير للماء لأنه تركه السيل في مستنقع. وجمعه غدر وغدران كرغف ورغفان. ومنه : الغدائر جمع غديرة وهي الشعر الطويل ، لأنه ترك. وأنشد لامرىء القيس (٣) : [من الطويل]

غدائره مستشزرات إلى العلا

تضلّ المداري في مثنّى ومرسل

وغدرت الشّاة فهي غدرة ، أي تخلّفت وتركت أصحابها. والغدر بالفتح : الحجارة التي تترك الفرس والبعير يعثر. ومنه قولهم : ما أثبت غدر هذا الفرس! ثم جعل مثلا لمن له ثبات فقيل : ما أثبت غدره ، وغدر أبلغ من غادر. وهو مطرد في سبّ الذكور كعسف. ومنه : الليلة المغدرة ، أي الشديدة الظلمة ، لأنها تغدر الناس في البيوت. أي تتركهم.

يقال : غادره وأغدره بمعنى. ومنه الحديث : «من صلّى العشاء في ليلة مغدرة» (٤). وقيل : سميت مغدرة لأنها تطرح الناس في الغدر لشدّة ظلامها.

__________________

(١) في الأصل : على ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) ٤٩ / الكهف : ١٨.

(٣) الديوان : ٣٤.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٤٤ ، وفيه : «في الليلة المغدرة ...».

١٨٤

غ د ق :

قوله تعالى : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(١) أي واسعا كثير القطر. وهو في الأصل مصدر ؛ يقال : غدق غدقا ، ومكان غدق : كثير النّدى. ويقال : أغدق يغدق إغداقا. وفي الحديث : «اللهمّ اسقنا غيثا غدقا مغدقا» (٢) قال أبو بكر : الغدق : الكثير القطر (٣). والمغدق مثله أكدّبه. قلت : وليس كذلك ، بل معنى «غدقا» : واسعا كثيرا ، ومغدقا ، أي فاعلا لذلك ؛ إذ لا يلزم من كونه كثيرا أن ينفع. وعيش غيداق : واسع ، وبه سمي الرّجل الجواد. وفي الحديث أيضا : «فتلك عين غديقة» (٤) أي كثيرة الماء.

غ د و :

قوله تعالى : (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ)(٥). الغداة والغدوة والغدوّ بمعنى ، وهو من أول النهار إلى الزوال ، والعشيّ من الزوال. وكذلك الرّواح والآصال. قال تعالى : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ)(٦) وقوبل في التنزيل الغدوّ بالآصال والغداة بالعشيّ. وفي العرف أنّ الغداة لأول النهار إلى ارتفاع الضحى. وقد يطلق على مجرّد الوقت ؛ قال امرؤ القيس (٧) : [من الطويل]

كأنّي غداة البين يوم تحمّلوا

لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل

لا يريد بذلك خصوصية زمان الغداة ، لأنهم قد يتحملّون في غير الغداة. وقد يقال : إنّ هذه واقعة خاصة وقعت في وقت الغداة المعهودة ، وهذا هو الظاهر. والغد : اسم لليوم

__________________

(١) ١٦ / الجن : ٧٢.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٤٥.

(٣) يريد : الماء الكثير القطر.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٤٥.

(٥) ٥٢ / الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٦) ١٢ / سبأ : ٣٤.

(٧) الديوان : ٢٩.

١٨٥

الذي يلي يومك. وقد يعبّر به عن مطلق الزمن المستقبل ، كما يعبر بأمس (١) عن مطلق الماضي ، وباليوم عن الحال. ومنه قول زهير (٢) : [من الطويل]

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عم

لم يرد بالأمس اليوم الذي قبل يومه فقط ، ولا بالغد اليوم الذي بعد يومه فقط ، لأن ما قبل أمس وما بعد الغد مثلهما في عدم علمه بما فيهما. فالمراد الماضي والحال والمستقبل. واستدلّ الجمهور من المتكلمين والنحاة إلى أن الأزمنة ثلاثة خلافا لطائفة ، فإنهم ينكرون الحال. وقد حقّقنا هذه المذاهب في غير هذا. ويقال : غد بالنقص كدم ، وهو المشهور. وقد يقال : غدو بزنة دلو ، فردّوا محذوفه وأنشدوا (٣) : [من الرجز]

لا تنزعاها وادلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا

والغداء : ما يتناول من الطعام وقت الغدوة (٤). قال تعالى : (آتِنا غَداءَنا)(٥) ويقابله العشاء : وهو ما يتناول وقت العشاء. وفي الحديث : «نهي عن بيع الغدويّ» (٦) فسّره أبو عبيد الهرويّ بأنه ما في في بطون الحوامل. وزعم شمر أنه بالذال المعجمة.

__________________

(١) المعروف أنه إذا بني على الكسر كان معرفة وحدد باليوم قبل الذي أنت فيه. وإذا نوّن دل على الماضي. ولهم فيه كلام.

(٢) شعر زهير : ٢٥.

(٣) لراجز كما في اللسان (مادة ـ غدا) ، وفيه : لا تغلواها.

(٤) في الأصل : الغد ، والتصويب من اللسان.

(٥) ٦٢ / الكهف : ١٨.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٤٦ ، وكانوا يتبايعونه.

١٨٦

فصل الغين والراء

غ ر ب :

قوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ)(١) أي شديدة السّواد. قيل : وأصله سود غرابيب ، فقدّمت الصفة على موصوفها ، وبه استدلّ الكوفيون على ذلك. وتأوّله البصريون على البدل. وله موضع قد أوضحناه فيه. والمفرد غربيب. يقال : أسود غربيب (وحالك حالك نحو : أحمر قان ، واشتقاقه من الغراب لشدّة سواده. يقال : هو أسود) (٢) من حلك الغراب. والغراب مأخوذ من الغربة. وأصل الغربة البعد. ومنه الغريب لبعده عن وطنه. وهي صعبة شاقّة ، ولذلك عاقب بها الشارع في الزّنى ؛ غرّب الحرّ عاما والعبد نصفه (٣). وما أحسن قوله! : [من البسيط]

إنّ الغريب الطويل الذيل ممتهن

فكيف حال غريب ماله قوت؟

فقيل : له : غراب لإبعاده في المذهب. ومنه قيل لكلّ متباعد غريب ، ولكلّ قليل النّظير في جنسه غريب. ومن ثمّ قيل للعلماء غرباء بالنسبة إلى قلة نظرائهم. وقيل للدّلو غربا لتصور بعدها وذهابها في قعر البئر ، وهي أخصّ من الدّلو كالذّنوب كما تقدّم. وفي الحديث : «فاستحالت غربا» (٤) أي دلوا عظيما ، وهو مثل لكثرة ما فتح على يد عمر رضي الله عنه. «وأصابه سهم غرب» (٥) لا يدرى من أين جاء؟ والمشهور سكون عينه. ونقل الهرويّ فيه الفتح (وقال : إنّ سماعه من الأزهريّ بالفتح) (٦) لا غير. ونقل عن أبي زيد أنّ

__________________

(١) ٢٧ / فاطر : ٣٥.

(٢) ما بين قوسين من م ، وفيه : حالك وحالك ، فأسقطنا الواو.

(٣) وفي النهاية : ٣ / ٣٤٩ : «إنه أمر بتغريب الزاني سنة».

(٤) النهاية : ٣ / ٣٤٩.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٥٠.

(٦) ما بين قوسين من م.

١٨٧

قولهم : سهم غرب (١) ـ بالسكون ـ إذا أتاه من حيث لا يدرى. وسهم غرب ـ بالفتح ـ إذا رماه فأصاب غيره. وذكر الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهم فقال : «كان مثجّا يسيل غربا» (٢) أي لا ينقطع عمله ، وأصله من سيلان الدّلو كما قدمته. قال الشاعر (٣) : [من الرجز]

ما لك لا تذكر أمّ عمرو

إلّا لعينيك غروب تجري؟

الغروب هنا الدّموع.

قوله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)(٤) هما مكانا شروقها وغروبها ؛ يقال : غربت الشمس تغرب غربا وغروبا ومغربا. وكان القياس فتح الغين لضمّها في المضارع ، وتقدم ذلك محقّقا. والغرب أيضا الذهب لغربته بين جواهر الأرض ، أي لخروجه عنها بالنّفاسة. والغرب أيضا حدّة السّنان واللسان ، ومنه أحدّه لغرب سنانه ولسانه. وغرب السيف أيضا حدّه. وسئل الحسن أيضا عن قبلة الصائم فقال : «إني أخاف عليك غرب الشباب» (٥) أي حدّته ومن ثمّ كرهها أصحابنا للشباب. وما أفصح هذه العبارة وأعذبها!

غ ر ر :

قوله تعالى : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا)(٦). الغرر والغرور مصدر أغرّه يغرّه : إذا أوهمه إعجابا بشيء وأطمعه فيه. قال تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)(٧) وذلك لتقدم قوله : (ما

__________________

(١) وتروى بالإضافة.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٥١.

(٣) البيت من شواهد اللسان والتاج ـ مادة غرب.

(٤) ١١٥ / البقرة : ٢.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٥٠.

(٦) ٣٣ / لقمان : ٣١.

(٧) ٢٢ / الأعراف : ٧.

١٨٨

نَهاكُما رَبُّكُما) إلى قوله : (لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(١). وقال في موضع آخر : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٢). ومن ثمّ نهي عن بيع الغرر لما فيه من التّدليس (٣) ، وأصله من غررت فلانا ، أي أصبت غرّته ونلت منه ما أريد. قال بعضهم : الغرّة : غفلة في اليقظة. والغرار : غفلة مع غفوة. وأصل ذلك من الغرور : وهو الأثر الظاهر من الشيء. ومنه غرّة الفرس. وغرار السيف : حدّه. وغرّ الثوب : كسر مطاويه ، ومنه : اطوه على غرّه.

ومنه : غرّه يغرّه غرورا : كأنّما طواه على غرّه.

والغرّة : الخيار ، ومنه الحديث : «في الجنين غرّة عبدا أو أمة» (٤). والغرير : الخلق الحسن اعتبارا بأنه يغرّ ، ومنه المثل : «أدبر غريره وأقبل هريره». والأغرّ : الرجل الكريم المشهور بالكرم ، مأخوذ من غرّة الفرس لظهورها وشهرتها من بين سائر لونها ، والجمع غرر. وفي الحديث : «أنّ أمّتي يدعون يوم القيامة غرّا محّجلين» (٥). والغرر : لثلاث ليال من أوّل الشهر لكونها من الغرّة (٦). والغرار أيضا : لبن قليل. وغارت الناقة : قلّ لبنها بعد أن ظنّ (٧) أنّه لا يقلّ ، فكأنّها غرّت صاحبها. وغرار : رجل مشهور. ومنه قول أبيه فيه (٨) : [من الطويل]

أرادت عرارا بالهوان ، ومن يرد

عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم

فإنّ عرارا إن يكن غير واضح

فإني أحبّ الجون ذا المنكب العمم

ومن ظريف ما يحكى أن بعض سرايا عبد الملك بن مروان غزوا قوما / فأرسلوا رسولا

__________________

(١) ٢٠ و ٢١ / الأعراف : ٧.

(٢) ١٢٠ / طه : ٢٠.

(٣) الكلمة ساقطة من ح. والحديث : «نهى عن بيع الغرر» (النهاية : ٣ / ٣٥٥).

(٤) النهاية : ٣ / ٣٥٣. ونرجح إن كلمة الخيار هي البياض ، كذا يؤدي معنى الحديث.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٥٤.

(٦) يعني غرة الفرس.

(٧) وفي الأصل : مع ظن أنه.

(٨) البيتان لعمرو بن شأس (شعر عمرو بن شأس : ١٠٢ وفيه البيت الأول) وقد وهم المؤلف في ذكرهما وكان عليه أن يذكرهما في مادة العين لأن ابن عمرو اسمه عرار بالعين. وانظر الشعر والشعراء : ٤٣٨ ، وفيه البيتان.

١٨٩

يخبر عبد الملك. فجعل لا يسأله عن شيء إلا أجابه بأحسن جواب ، وسلّى عيّه فيه (١) ، وكان رجلا أسود طويلا ، فأنشد عبد الملك : «فإنّ عرارا إن يكن غير واضح» البيت. فقال : يا أمير المؤمنين أتدري من القائل ومن المقول فيه ذلك؟ قال : لا. قال : هو أنا (يا أمير المؤمنين) (٢) والقائل أبي. فعجب عبد الملك من ذلك.

قوله تعالى : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(٣). قال ابن عرفة : ما رأيت له ظاهرا تحبّه وفيه باطن تكرهه أو تجهله. وفي الحديث : «المؤمن غرّ كريم» (٤) أي ينخدع لانقياده ولينه ، وضدّه الخبّ اللئيم. والأنثى غرّ أيضا فيستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع غرار. ومنه حديث ظبيان : «إنّ حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وغمارها ورؤوس الملوك وغرارها» (٥) وغرار النوم : قلّته ، كغرار اللبن. ومنه قول الأوزاعيّ : «كانوا لا يرون بغرار النوم بأسا» (٦) أي قليله لا ينقض الوضوء. وغرار الصلاة : نقصانها ، وهو راجع لمعنى القلّة. وفي الحديث : «إيّاكم ومشارّة الناس فإنها تدفن الغرّة وتظهر العرّة» (٧) الغرّة : الحسن. والعرّة : القبح. وفي الحديث : «أنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (٨) أي ما لم تبلغ روحه حلقومه ، فتكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به ، وذلك الشيء هو الغرور. وفي حديث عائشة وقد ذكرت أباها : «ردّ نشر الإسلام على طيّه» (٩) أي ردّه على ما كان (١٠) ؛ من قولهم : اطو هذا الثوب على غرّه وأخناثه وخناثه ، أي على كسره وقد تقدّم ، وضرب ذلك مثلا وهي فصاحة وبلاغة.

__________________

(١) سلى عيه : كشف جهله.

(٢) كذا في م ، وفي الأصل : ذلك.

(٣) ٣٣ / لقمان : ٣١.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٥٤.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٥٥.

(٦) النهاية : ٣ / ٣٥٧.

(٧) النهاية : ٣ / ٣٥٤.

(٨) كنوز الحقائق ، ورقة : ١٨. وفي الأصل : يغرّ. رواه الترمذي وابن حنبل وابن ماجة والحاكم. وهو في النهاية : ٣ / ٣٦٠.

(٩) النهاية : ٥ / ٥٥ ، وفيه رواية : «على غرّه» (٣ / ٣٥٧).

(١٠) يعني : على ما كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أرادت أمر الردة وكفاية أبيها إياه.

١٩٠

والغرور ـ بالضم ـ مكاسر الجلد. وذكر الزهريّ قوما أهلكهم الله فقال : «جعل عنبهم الأراك ودجاجهم الغرغر» (١) هو دجاج الحبش ، قيل : هو مصنّ (٢) لتغذّيه بالعذرة.

غ ر ض :

الغرض : الهدف المقصود بالرمي ، ثم جعل اسما لكلّ غاية يتحرّى إدراكها ، والجمع أغراض. ثم الغرض ضربان : ضرب يتشوّق بعده شيء آخر كالرئاسة واليسار ونحوهما من الأغراض الدنيوية ، وتامّ وهو الذي لا يتشوق بعده شيء آخر كالجنة. وأمّا الغرض ـ بسكون الراء ـ فهو ما يشدّ به الرّحل على بطن الناقة. وهو الغرضة أيضا ، وموضع الشدّ المغرض. ومنه الحديث : «لا تشدّ الغرض إلا إلى ثلاثة مساجد» (٣).

غ ر ف :

قوله تعالى : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ)(٤) هي البيوت المرتفعة ، الواحدة غرفة. وقد قرىء : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) و (فِي الْغُرُفاتِ)(٥) ، جمعا وإفرادا. وأصل الغرف الرفع للشيء والتناول له ؛ يقال : غرفت الماء. قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)(٦) قرىء بفتح الفاء على أنها المرة ، وبالضمّ على أنها اسم لما يغترف كالمضغة والمضغة. وغرفت الطعام غرفا ، وغرفت (٧) عرف الفرس : جررته. وغرفت الشجرة : قطعت عروقها. والغرف : شجر معروف. وغرفت الإبل : تأذّت بأكل الغرف. وفي الحديث : «نهى عن الغارفة» (٨) ، قال الأزهريّ : هو أن تسوّى ناصيتها مقطوعة على وسط جبينها. قيل : والغارفة

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٣٦٠.

(٢) المصنّ : المنتن ؛ أصنّ اللحم : أنتن. وفي اللسان حين ذكر هذا النوع من الدجاج قال عنه : هو مصلّ (باللام).

(٣) النهاية : ٣ / ٣٥٩ ، ويروى : «لا يشدّ الغرض».

(٤) ٢٠ / الزمر : ٣٩.

(٥) ٣٧ / سبأ : ٣٤. وقراءة حمزة بالإفراد.

(٦) ٢٤٩ / البقرة : ٢.

(٧) من م.

(٨) النهاية : ٣ / ٣٦٠.

١٩١

مصدر جاء على فاعله ، نحو راغية الإبل. وقوله : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(١).

غ ر ق :

قوله تعالى : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ)(٢). الإغراق : التغييب في الماء وشبهه ، ثم استعير لكلّ متعدّ في شيء. قوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً)(٣) قيل : هي الملائكة تنزع نفوس الكفرة من صدورهم إغراقا ، أي مبالغة من قولهم : أغرق الباري في القوس ، أي بالغ قيل : والمصدر الإغراق. والغرق اسم المصدر. وفي الحديث : «يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق» (٤). قال أبو عدنان : الغرق الذي شارف الغرق. ولما أفاد : غرق فهو غريق. واستغرق فلان في كذا استعارة ، كأنّ ذلك الشيء المتفكّر فيه أحاط بالمتفكر فيه إحاطة الماء بالغريق.

غ ر م :

قوله تعالى : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ)(٥) أي خاسرون. والمعنى أنّا قد أغرمنا ولم يحصل لنا من زرعنا ما أمّلنا. وأصله من الغرم وهو ما ينوب (٦) الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه. قوله : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً)(٧) أي هلاكا. وأصل الغرام ما يصيب الإنسان من شدة ومصيبة. وقيل : هو من قولهم : فلان مغرم بالنساء ، أي ملازمهنّ ملازمة الغريم. وعن الحسن : «كلّ غريم مفارق غريمه إلا النار» (٨). وقيل : معناه مشغوف بإهلاكه. والغريم يطلق على من له الدّين تارة باعتبار ملازمته من عليه الدّين ، وعلى من عليه الدّين أخرى

__________________

(١) ١١ / الغاشية : ٨٨.

(٢) ٥٤ / الأنفال : ٨.

(٣) ١ / النازعات : ٧٩.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٦١ ، وفيه : « .. لا ينجو منه».

(٥) ٦٦ / الواقعة : ٥٦.

(٦) كذا في م ، وفي الأصل ينوم.

(٧) ٦٥ / الفرقان : ٢٥.

(٨) المفردات : ٣٦٠.

١٩٢

باعتبار لزوم الدّين له. وفي الحديث أيضا : «الزعيم غارم» (١) أي ملزم نفسه ما ضمنه.

والغرم : أداء شيء لازم ، ومنه الحديث : «الرّهن لمن رهنه ، له غنمه وعليه غرمه» (٢) قيل : غنمه : نماؤه ، وغرمه : أداء ما يفكّ به. فالمعنى أنّ عذابها كان ملازما لهم لا ينفكّ عنهم. قال ابن عرفة : الغرام عند العرب ما كان ملازما ، ومنه : فلان مغرم بكذا ، أي ملازم له مولع به. قوله تعالى : (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)(٣) أي من غرامة. يقال : غرم يغرم غرما وغرامة ومغرما.

غ ر ي :

قوله تعالى : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ)(٤) أي لنسلّطنّك عليهم تسليطا بليغا. يقال : غري بكذا أي لصق به ولهج. وأصل ذلك من الغراء. وهو ما يلصق به. فأغريت فلانا بكذا نحو ألهجت به. قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ)(٥) ؛ ألصقنا العداوة بهم. قال أبو منصور : تأويله : أنّهم صاروا فرقا يكفّر بعضهم بعضا. ويقال : غريت بالشيء غرى ، أي لصقت به.

فصل الغين والزاي

غ ز ل :

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها)(٦). الغزل : الفتل للقطن والكتّان ونحوهما. وقد غزلت تغزل غزلا ، وغلب على صناعته النساء. وهذا مثل ضربه الله للناكث عهده بعد توثيقه بالالتزام والأيمان ، من حيث إنّ فيه إبراما ونقضا معنويين كما أنّ في الغزل

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٣٦٣ ، وفي الأصل : «من غارم».

(٢) النهاية : ٣ / ٣٦٣.

(٣) ٤٠ / الطور : ٥٢.

(٤) ٦٠ / الأحزاب : ٣٣.

(٥) ١٤ / المائدة : ٥.

(٦) ٩٢ / النحل : ١٦.

١٩٣

المنقوض إبراما ونقضا حسّيّين. قيل : وهي امرأة بعينها اسمها ريطة اتّخذت مغزلا قدر ذراع وفلكه. فكانت تغزل هي وجواريها نهارهن ، فإذا جاء الليل عمدت إلى غزلهنّ فنقضته حمقا ، فضربت مثلا في الحمق.

والغزال : ولد الظبية ، والغزالة : قرص الشمس. وكني بالغزل والمغازلة عن مناقشة المرأة التي كأنها غزال. وغزل الكلب غزلا : أدرك الغزال فلها عنه بعد إدراكه.

غ ز و :

قوله تعالى : (أَوْ كانُوا غُزًّى)(١) هو جمع غاز ، وقياسه غزاة كقضاة ، ولا يقاس عليه. والغزو : الخروج إلى محاربة العدوّ. وقد غزا يغزو غزوا فهو / غاز ومغزوّ. وأغزت المرأة فهي مغزية إذا غزا زوجها. ومنه قول عمر رضي الله عنه : «لا يزال أحدكم كاسرا وساده عند مغزية» (٢).

فصل الغين والسين

غ س ق :

قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٣) قيل : هو القمر وقت زحل (٤). وقيل : هو كناية عن خسوفه واسوداده. ومنه الحديث : «نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى القمر فقال : تعوّذي بالله من شرّ غاسق إذا وقب ، فهذا غاسق إذا وقب» (٥) قال أبو بكر : إنّما سمّى رسول الله القمر غاسقا لأنه إذا خسف أو أخذ في الغيبوية أظلم. والغسوق : الإظلام. وحكى الفراء : غسق وأغسق نحو ظلم وأظلم ، ودجا وأدجى ، وعبس وأعبس. قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ

__________________

(١) ١٥٦ / آل عمران : ٣.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٦٦.

(٣) ٣ / الفلق : ١١٣.

(٤) بياض في الأصل ، والكلمة من م. وفي اللسان : وقيل القمر إذا دخل في ساهوره.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٦٦.

١٩٤

لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(١) أي اشتداد ظلامه. وقيل : الغاسق : الليل المظلم. يقال غسق الليل يغسق غسوقا وغسقا : إذا اشتدّ ظلامه فهو غاسق. ومنه قول الربيع بن خثعم لمؤذنه كلّ يوم غيم «أغسق أغسق» (٢) أي أخّر الأذان وقت المغرب ليدخل وقتها محقّقا ، أي ادخل في الغسوق (٣) نحو أظلم وأصبح (٤) أي دخل فيهما. ومعنى الاستعاذة من شرّ القمر أو الليل ، أنّ الشرور تحدث فيهما ، أي من شرّ الحوادث الكائنة فيهما (٥).

قوله : (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)(٦) قرىء مشدد العين ومخففها (٧) ، وهما ما يسيل من صديد أهل النار وما يصهر من جلودهم ، أعاذنا الله من ذلك بمنّه وكرمه ، من قولهم : غسقت عينه : إذا سالت بالدمع. وقيل : هو دموعهم التي تخرج من عيونهم لكثرة بكائها يسقونها مع الحميم ، عن مجاهد. وقيل : المجفف البارد الذي يمزق برده ، ومنه قولهم : الليل غاسق ، لأنه أبرد من النهار. وفي حديث عمر : «حتى يغسق الليل على الظّراب» (٨) قال ابن الأعرابيّ : أي ينصبّ على الجبال ، من غسقت عينه (٩) ، أي انصبّت.

غ س ل :

قوله تعالى : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ)(١٠) هو فعلين من الغسل ، وهو ما ينغسل من أبدان أهل النار وما يسيل من صديدهم ، وهو غسالة أبدان الكفرة. والغسل والغسل مصدرا

__________________

(١) ٧٨ / الإسراء : ١٧.

(٢) النهاية : ٣ / ٣٦٧. وكلمة غيم من م والنهاية.

(٣) وفي الأصل : الغسق.

(٤) أي : ذكرتها النسخة م.

(٥) الجار والمجرور من النسخة م.

(٦) ٥٧ / ص : ٣٨.

(٧) يقول الفراء : الغسّاق تشدّد وتخفف ؛ شدّدها يحيى بن وثّاب وعامة أصحاب عبد الله ، وخففها الناس بعد (معاني القرآن : ٢ / ٤١٠). ويقول ابن منظور : قرأه أبو عمرو بالتخفيف والكسائي بالتشديد (مادة ـ غسق).

(٨) النهاية : ٣ / ٣٦٧.

(٩) الكلمة من م.

(١٠) ٣٦ / الحاقة : ٦٩.

١٩٥

غسل الشيء يغسله : إذا أسال عليه الماء فأزال درنه. وقيل : الغسل بالفتح المصدر ، وبالضم الاسم ، وبالكسر ما يغتسل به ، والمغتسل يكون مصدرا لاغتسل ولزمانه ومكانه واسم مفعوله. وفي الحديث : «من غسّل واغتسل» (١) اختلف فيه فقيل : كناية عن الجماع قبل الصلاة ، لأنه أغضّ للطرف. وقيل : أسبغ الطهور وأكمله ثم اغتسل للجمعة. وقال الأزهري : روي بالتخفيف من قولك : غسل الرجل امرأته ، وغسلها : جامعها. وفحل غسلة : كثير الطّرق من غير إحبال. وقال أبو بكر : معنى غسّل بالتشديد : اغتسل بعد الجماع. ثم اغتسل للجمعة ، فكرّر لهذا المعنى.

فصل الغين والشين

غ ش ي :

قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ)(٢) كناية عن القيامة لأنها تغشى الناس ، أي تحيط بهم وتشملهم ، فلا يفلت منها أحد منهم. والمعنى أنه يغشاهم هولها. ومثله : (أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ)(٣) والتّغشية : السّتر والتغطية. ويستعار ذلك لعمى البصيرة. ومنه قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(٤) ليس المراد أنه أعمى أبصارهم (٥) بل المراد قلوبهم. ومثله : (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً)(٦). وقرىء غشوة (٧). وقد حققنا القراءتين في «الدرّ» و «العقد». وأنشد لامرىء القيس (٨) : [من الطويل]

غشيت ديار الحيّ بالبكرات

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٣٦٧ ، من حديث الجمعة.

(٢) ١ / الغاشية : ٨٨.

(٣) ١٠٧ / يوسف : ١٢.

(٤) ٧ / البقرة : ٢.

(٥) وفي م : أعينهم.

(٦) ٢٣ / الجاثية : ٤٥.

(٧) قراءة طلحة والأعمش (مختصر الشواذ : ١٣٨).

(٨) صدر من بيت لمطلع قصيدة (الديوان : ٧٣) ، وعجزه :

فعارمة فبرقة العيرات

١٩٦

أي أتيتها ووصلتها ، فتجوز بالغشيان عن ذلك. قوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(١) قيل : تهكّم بهم في اللفظين : المهاد والغواشي ، لأن كلا منهما إنما يستعمل في الأمر المحمود. قوله : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ)(٢) أي تغطّوا بها حتى لا يروا بأعينهم الداعي ولا يصغوا إلى كلامه. وقيل : هو كناية عن الفرار نحو : شمّر ذيله ، فيكون كقوله : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً)(٣). ويكنى به عن الجماع ، ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها)(٤) وذلك نحو تجلّلها. ويقرب منه : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ)(٥). وغاشية السّرج : لما يغطّى به. قوله تعالى : (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)(٦). التّغشية : ما يغطي العقل من الهمّ والألم ونحوهما. نعوذ بالله من ذلك. وغشّيته سيفا وسوطا نحو قنّعته ، أي جعلته له بمنزلة الغاشية والقناع.

فصل الغين والصاد

غ ص ب :

الغصب : أخذ مال الغير والاستيلاء عليه قهرا. قال تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(٧). وتغصّبت الشيء : أخذته وقبلته بكره.

__________________

(١) ٤١ / الأعراف : ٧.

(٢) ٧ / نوح : ٧١.

(٣) ٦ / نوح : ٧١.

(٤) ١٨٩ / الأعراف : ٧.

(٥) ١٨٧ / البقرة : ٢.

(٦) ١٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٧) ٧٩ / الكهف : ١٨.

١٩٧

غ ص ص :

قوله تعالى : (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ)(١). الغصّة : الشّجا الذي يعترض في الحلق فيمنع من جريان الطعام والشراب والنفس.

فصل الغين والضاد

غ ض ب :

قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٢) هم اليهود ، والضالّون : النّصارى لقوله تعالى في حقّ اليهود : (وَغَضِبَ عَلَيْهِ)(٣) ، وفي حق النصارى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ)(٤). والغضب في الأصل : ثوران دم القلب إرادة الانتقام. ومنه قوله عليه‌السلام : «اتّقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه» (٥). ومعنى إسناده للباري تعالى في قوله : (وَغَضِبَ عَلَيْهِ ، وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ)(٦) أن المراد به الانتقام والعقاب فقط لتعاليه عمّا ذكر أولا. وقيل : هو إرادة الانتقام. فعلى الأول يكون صفة فعل ، وعلى الثاني يكون صفة ذات ، والغضوب : الكثير الغضب ، قال الشاعر : [من الخفيف]

كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة : هند غضوب

وفلان غضبّة : سريع الغضب. قال بعضهم : يقال : غضبت لفلان : إذا كان حيا ، وغضبت به : إذا كان ميتا.

__________________

(١) ١٣ / المزمل : ٧٣.

(٢) ٧ / الفاتحة : ١.

(٣) ٦٠ / المائدة : ٥.

(٤) ٧٧ / المائدة : ٥.

(٥) سنن الترمذي ، الفتن : ٢٦.

(٦) ١١٢ / آل عمران : ٣.

١٩٨

غ ض ض :

قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)(١) أي ينقصوها به وهو كناية عن قصور الطرف عمّا لا يحلّ النظر إليه. يقال : غضّ بصره ولسانه ، أي قلّل من فعلهما ، وهو مدّ ورفع الصوت. وأصل الغضّ النقصان. وفي الحديث : «أن يغضّوا من الثّلث» (٢) أي ينقصوا منه. وغضضت السّقاء : نقصت ما فيه. ومنه : الفاكهة الغضّة : هي الطريّة لقلّة مكثها. قوله تعالى : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ)(٣) أي اخفضه.

وغضغضت / الشيء : نقصته ؛ كرّر مبالغة. ومنه : هذه ركيّة لا تغضغض. ولما مات عبد الرحمن بن عوف قال عمرو بن العاص : «هنيئا لك خرجت من الدنيا ببطنتك لم تتغضغض منها بشيء» (٤) أي لم تتلبّس منها بشيء ينقص أجرك.

فصل الغين والطاء

غ ط ش :

قوله تعالى : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها)(٥) أي أظلمه وجعله شديد الظّلمة. وأظلم يكون متعديا ولازما. وأصل الإغطاش من قولهم : رجل أغطش : إذا كان في عينيه شبه عمش. والتّغاطش : التّعامي. وفلاة غطشى : لا يهتدى فيها. ومكان أغطش.

غ ط و :

قوله تعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ)(٦) أي رفعنا الحجاب الدّنيويّ عنك في الآخرة

__________________

(١) ٣٠ / النور : ٢٤.

(٢) صحيح مسلم ، الوصية : ١٠.

(٣) ١٩ / لقمان : ٣١.

(٤) النهاية : ٣ / ٣٧١. وفي اللسان : « .. لم يتغضغض منها شيء».

(٥) ٢٩ / النازعات : ٧٩.

(٦) ٢٢ / ق : ٥٠.

١٩٩

فصار بصرك حديدا ثابتا. والغطاء : ما جعل فوق شيء يحجبه ويستره ، فهو كالغشاء معنى ووزنا. يقال : غطّاه يغطّيه تغطية (١). وغطى عليه بالتخفيف ؛ قال حسان رضي الله عنه وقد صاح بالليل بأصحابه فأقبلوا عليه فأنشدهم وقال : «إنّما دعوتكم لتحفظوا عني ما أقول لئلا ينسى» (٢) : [من الخفيف]

ربّ حلم أضاعه عدم الما

ل وجهل غطّى عليه النّعيم

ولقد صدق رضي الله عنه.

فصل الغين والفاء

غ ف ر :

قوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا)(٣) أي استرها وامحها ، وحقيقتها لا تعاقبنا مؤاخذة عليها. والغفر : السّتر والتغطية ، ومنه المغفر لأنه يستر الرأس. وقيل : هو إلباس الشيء ما يصونه عن الدّنس ، ومنه قيل : اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك ، فإنّه أغفر للوسخ. والغفارة بمعنى المغفر. وأنشد للأعشى (٤) : [من مجزوء الكامل]

أو شطبة جرداء تض

بر بالمدجّج ذي الغفاره

ومنه حديث عمر رضي الله عنه : «أنه لما حصب المسجد قال له رجل : لم فعلت هذا؟ فقال : لأنّه أغفر للنّخامة» (٥) أي أستر لها. والغفار أيضا : خرقة يستر بها الخمار أن يمسّه شيء من دهن الرأس ، ورقعة يستر بها محزّ الوتر. وهو أيضا سحابة فوق سحابة.

__________________

(١) من النسخة م.

(٢) من قصيدة طويلة لحسان ، الديوان : ١ / ٤٠. وفي الديوان بتضعيف الطاء ، ولعل التخفيف مناسب للنص والشاهد.

(٣) ١٤٧ / آل عمران : ٣.

(٤) الديوان : ١٥٩ ، والتصويب منه. الشطبة : الفرس السبطة اللحم.

(٥) النهاية : ٣ / ٣٧٤.

٢٠٠